فبعد حوالي 100 سنة، تفرض باريس نفسها، من جديد، كأرض لإشعاع الرياضة النسوية. ففي أولمبياد باريس لسنة 1900، استهلت المرأة مشاركتها في الألعاب، وكن فقط 22 رياضية تنافسن في 5 رياضات وهي كرة المضرب والقوارب الشراعية ورياضة الكروكي والفروسية والغولف.
وفي غضون أيام، ستحقق الحركة الأولمبية هدفا طال انتظاره، حيث عملت اللجنة الأولمبية الدولية بدون كلل من أجل الوصول إلى المساواة بين الجنسين، فقد مثلت المرأة في الألعاب الأولمبية باريس 1900 فقط 2,2 في المائة من عدد المشاركين، لتصل النسبة إلى 23 في المائة في لوس أنجلوس سنة 1984، و44 في المائة في لندن 2012 و48 في المائة في طوكيو 2020.
وبعد سنوات طويلة، منحت اللجنة الأولمبية الدولية بالنسبة لدورة 2024 نفس عدد بطاقات التأهل للمشاركة في الألعاب للجنسين على حد سواء، حيث سيتواجد ضمن 10 آلاف و500 رياضي، نفس عدد النساء والرجال.
وكان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، قال في مارس الماضي بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، « نحن على مشارف الاحتفال بإحدى أهم اللحظات في تاريخ مشاركات المرأة في الألعاب الأولمبية وفي الرياضة على العموم ».
فإذا كانت ألعاب طوكيو 2020 قد شكلت مرحلة أساسية في تكريس استراتيجية اللجنة الأولمبية الدولية، خصوصا من خلال تعيين حاملة علم بالنسبة للنساء وحامل علم بالنسبة للرجال خلال حفل الافتتاح، فإن دورة باريس ستكون محطة فارقة في إبراز حضور المرأة في المجال الرياضي.
وكرمز على هذه الثورة، سيكون الماراطون الخاص بالسيدات ختام الألعاب التي ستستمر على مدى 15 يوما، بينما في الدورات السابقة كانت المنافسة الخاصة بالرجال هي من تختتم فعاليات الأولمبياد، ولكن هذه المرة سيتم الاحتفاء بأداء النساء في الختام.
وستتميز هذه الألعاب بإدراج رياضات إضافية، وهي التسلق وركوب أمواج واليدين بورد (ألواح التزلج)، بالإضافة إلى البريكينغ الذي سيقتحم الألعاب الأولمبية للمرة الأولى.
وتعد هذه الرياضات، التي تلقى إقبالا كبيرا من شرائح من الممارسين، واجهة بارزة لتشجيع العديد من الفئات على ممارستها.
وقالت اللجنة المنظمة إن « هذه المنافسات القريبة من الطبيعة والتي تتميز بطابعها الاحتفالي والعصري، تتناغم مع هوية الألعاب بباريس 2024″، مبرزة أنه رغم إضافة هذه الرياضات إلا أن عدد المنافسات سيقلص من 339 إلى 329 في 44 تخصصا، وذلك بتنسيق مع اللجنة الأولمبية الدولية « بهدف الحد من النفقات ».
وفي نفس السياق، يعد المنظمون بتنظيم ألعاب منخفضة الانبعاثات الكربونية، وتقليص التأثير على البيئة وتقديم حلول أكثر مسؤولية، حيث يسعون إلى « إلهام وترك إرث من أجل رياضة أكثر مسؤولية ».
فقد أخذت مدينة باريس على عاتقها التزاما « بتقليص نصف بصمتها الكربونية مقارنة بالدورات السابقة وتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تجنبها ».
وأبرز المنظمون أنه من أجل هذا الطموح تعمل باريس على مستويين، أولا تقليص انبعاثاتها في كل مخططات التنظيم، وثانيا دعم مشاريع تجنب الكاربون في الخارج وفي فرنسا.
وحدد المنظمون هدف الوصول إلى حصيلة كربون خالصة تصل إلى 1,5 مليون طن من مكافئ أوكسيد الكربون، مقابل حوالي 3,3 مليون طن من مكافئ أوكسيد الكاربون في دورتي 2012 و2016. ففي وثيقتها الاستراتيجية، قدرت اللجنة الأولمبية الوطنية للتنظيم هذه الحصيلة، أي 39 في المائة من الانبعاثات الناتجة عن النقل، و32 في المائة عن البنايات (أزيد من ثلثين ناتجة عن البنايات الجديدة)، و29 في المائة من تدبير ولوجيستيك الحدث (الطعام واستهلاك الطاقة والتجهيزات).
وستكون دورة باريس بمثابة مختبر للجنة الأولمبية الدولية، التي انخرطت في الخطوط التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول مقدار الأثر البيئي، وانطلاقا من سنة 2030 ستصبح الألعاب الأولمبية خاضعة لهذه المعايير، حيث ستكون دروس تجربة باريس صالحة للمدن التي ستحتضن التظاهرة في المستقبل.
ولأول مرة، لن يستعرض الرياضيون في ملعب، بل في نهر السين، الذي ألهم مبدعي روائع الأدب والفن، حيث سيجمع حفل الافتتاح 10 آلاف و500 رياضي يمثلون 206 بعثة يوم 26 يوليوز من الساعة السابعة والنصف مساء إلى غاية الحادية عشر ليلا، على مسافة 6 كيلومترات بين جسري أوسترليتز ويينا أمام مئات الملايين من الأشخاص.
وأكدت مدينة باريس أن « الحفل سيكشف للعالم وجه فرنسا الجميل وخصوصا العاصمة بتراثها وتاريخها وابداعاتها وشجاعتها ». الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتأكيد ذلك.