عندما يبدأ شتيفان فوكس في الحديث عن هياكل « الفأس السوداء » (Black Axe)، سرعان ما توضع عشرات الأوراق على مكتبه، إضافة إلى أسهم وخطوط توصيل ورسوم بيانية.
حياة تلك المجموعة النيجيرية من الداخل مسألة معقدة، ووفقًا للخبير فوكس، فإن هذا هو بالضبط وصفة نجاحها، ويقول: « لقد تم التعرف على الشبكات النيجيرية من قبل السلطات، ولكن لفترة طويلة، لم تكن ديناميكيات المجموعة والآليات التي تقف وراءها مفهومة ».
شتيفان فوكس، الرئيس المشارك لمنظمة حماية الضحايا السويسرية « فيكتراس »، يقدم المشورة لضباط إنفاذ القانون منذ سنوات طويلة بشأن مجموعات مثل « الفأس السوداء » من نيجيريا وكيفية توسعها. في أوروبا لا يكاد يعرف عامة الناس أي شيء عنها. ومع ذلك فقد نمت هذه المنظمات الإجرامية بسرعة في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة. « إنهم ينشطون في الاتجار الدولي بالمخدرات وغسل الأموال والاحتيال عبر الإنترنت والاتجار بالبشر، وفي بعض الحالات في مجال الحماية. كما لوحظ الاتجار بالأسلحة في ليبيا »، يقول فوكس.
شبكة احترافية للمجرمين
تركز أجهزة إنفاذ القانون الآن بشكل متزايد على جماعة « الفأس السوداء »، كما يطلق عليها أحيانًا في البلدان الناطقة بالألمانية. ففي الفترة ما بين أبريل/ نيسان ويوليو/ تموز، نفذت منظمة الشرطة الدولية « الإنتربول » عملية « Jackal III ». وبالإضافة إلى اعتقال 300 شخص، تم تحديد هوية أكثر من 400 مشتبه به آخر في جميع أنحاء العالم وتجميد 720 حسابًا مصرفيًا. وشارك في العمليات ضباط شرطة من 21 دولة. ويوضح إسحاق أوجيني، مدير مركز الإنتربول لمكافحة الجريمة المالية والفساد »تُظهر العملية الحاجة الملحة إلى التعاون الدولي في مجال إنفاذ القانون في هذا المجال ».
ويبرز مجال واحد في الأنشطة الإجرامية للفأس السوداء في الآونة الأخيرة: الاحتيال المالي والاحتيال عبر الإنترنت. توبياس أوتشي هو أحد الأشخاص الذين حذروا من انتشار هذه المجموعة في جميع أنحاء العالم لسنوات. أثناء بحثه صادف المحقق الخاص منتديات دردشة يسخر فيها المجرمون من ضحايا احتيالهم عبر الإنترنت. وغالباً ما كانوا نساءً يتظاهرون لهن بالحب ويحولون لهن مبالغ مالية كبيرة.
وكلما تعمق أوتشي أكثر في الهياكل الكامنة، انفتح أمامه عالم ظل مرعب. « هذا المجتمع السري هو نوع من لينكد إن (LinkedIn) للمجرمين. ويعرف الأعضاء بالضبط أين يجدون الشخص س الذي يوفر وثائق هوية مزورة أو الشخص ص الذي يقدم بطاقات ائتمان مسروقة ».
إن هذه الهياكل الشبكية الفضفاضة إلى حد ما وعدم وجود تسلسل هرمي تقليدي هي التي تجعل الفأس السوداء ناجحة للغاية. وبعد أن نشر المحقق الخاص النتائج الأولية التي توصل إليها، تلقى عدداً من التهديدات بالقتل. لذلك اختار توبياس أوتشي اسما مستعارا له.
جمعية سرية أم طائفة أم جريمة منظمة؟
ومع ذلك فإن الفأس السوداء ليست الجماعة الإجرامية الوحيدة من نيجيريا، التي تنتشر في جميع أنحاء العالم منذ سنوات. يذكر الخبير ستيفان فوكس أسماء: « جمعية أخوان إيي (Eiye) العليا، وأخوان الفايكنج العليا، وجمعية الدائرة الخضراء الدولية، واتحاد الأخوة الأبدية للفيلق – ربما تكون هذه هي الأكثر شهرة في أوروبا ».
ومع ذلك غالبًا ما يختلف المدعون العامون حول وصف الجماعات. فبينما يتحدث البعض عن الجمعيات السرية النيجيرية أو مجرد شبكات إجرامية، يفضل البعض الآخر أوصافًا مثل الأخوة (Confraternity) أو الطائفة (Cult). ويقول شتيفان فوكس: « جميع العبارات صحيحة ».
وهذا ما يجعل الملاحقة القضائية صعبة بشكل خاص: فليس كل الأعضاء الذين يمكن تصنيفهم على أنهم ينتمون إلى إحدى هذه الجماعات متورطين في أنشطة إجرامية. ويرجع ذلك إلى أن أصول العديد من الجمعيات السرية تعود إلى حركات الاستقلال الأفريقية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما انضم النشطاء الشباب إلى جمعيات أخوية طلابية سرية لمحاربة الحكم الاستعماري. ولكن في ظل الفوضى السياسية في نيجيريا، تسلل المجرمون إلى هذه الجماعات. وفي الوقت نفسه، قاموا بتجنيد المزيد من الشباب العنيفين من الشوارع.
المنسحبون يواجهون خطر الموت
كان النيجيري جون أوموروان عضوًا في الفأس السوداء لسنوات عديدة. وعلى الرغم من كل المخاطر، قرر المنسحب من الجماعة التحدث علنًا عن الحياة الداخلية للجمعيات السرية. بالنسبة له بدأ انجراف الجماعة إلى الجريمة المنظمة في أواخر الثمانينيات. ويقول أوموروان: « كان ذلك عندما اكتشفوا تهريب الماريغوانا إلى أوروبا ».
تسلل المجرمون إلى الفأس السوداء لأنهم وجدوا الهياكل المثالية لأعمالهم: طقوس مرعبة تغرس الولاء غير المشروط والسرية المطلقة في جميع الأعضاء الجدد. ثم ازدادت هذه الجماعات قسوة وانتشرت إلى مجتمعات المهاجرين في جميع أنحاء العالم – ولكن في الوقت نفسه، لم تتغير مبادئها الأصلية وتماسكها إلا قليلاً.
ويرى فوكس، الخبير في مجال حماية الضحايا، أن الإجراء الأخير الذي اتخذته الشرطة الدولية « الإنتربول » يثبت أن ضباط إنفاذ القانون أصبح لديهم الآن فهم أفضل لهياكل وإجراءات الفأس السوداء. ومع ذلك، فهو يحذّر من الركون إلى نجاحاتهم. ففي مكافحة الجماعات الإجرامية القادمة من نيجيريا، يجب أن يُنظر إليها على حقيقتها، أي: مافيا خطيرة.
أعده للعربية: محمد المزياني